الآثار القديمة

أهم المعالم والاكتشافات الأثرية في ولاية جعلان بني بوحسن *

على الرغم من قلة الدراسات الأثرية والتاريخية المتوافرة عن ولاية جعلان بني بوحسن في المنطقة الشرقية من عمان، إلا أن القلة القليل من تلك الدراسات والتي هي عبارة عن مسوحات عامة للمنطقة فإنها تشير إلى غنى المنطقة بالكثير من المعالم الأثرية المنتشرة على جميع أنحاء المنطقة، وتشتمل هذه المعالم على:

صورة للنقوش الحجرية القديمة بوادي الجفر بمنطقة جبل قهوان

 

1-  الرسومات الصخرية: – إن منطقة جعلان بني بوحسن غنية بالعديد من الرسومات الصخرية والتي تعكس جانبا مهما جدا من حياة وثقافة الإنسان البدائي الذي عاش في هذه المنطقة، ففي شهر أغسطس عام 2002 م، تم اكتشاف هذه الرسومات بواسطة الفاضل محمد بن سعيد المسروري مدير دائرة البيئة بالمديرية العامة للبلديات الإقليمية والبيئة بجنوب الشرقية وذلك أثناء أعمال المراقبة على الحياة البرية، حيث لاحظ وجود بعض الرسومات على صخور وادي الجفر المنحدر من سلسلة جبل قهوان، ومن ثم تم إبلاغي عن الموقع فقمت بزيارة المنطقة وإجراء مسح لها في شهر نوفمبر 2002م. كانت نتيجة هذا المسح هو العثور على عدد كبير من الرسومات الصخرية التي نفذت بطريقة الطرق أو النقر (Pecking Technique). هذه الرسومات عبارة عن رموز ثقافية حضارية (Cultural Symbols)، خصوصا تلك التي لم يتم تحديد وظائفها أو ملامحها والدلالة الخاصة بها، والتي تعبّر عن مجموعة من المشاهد لأنشطة معينة كانت في مخيلة الفنان في الوقت الذي رسم فيه المشهد، ولقد نفذت هذه الرسومات على صخور الحجر الجيري المنحوتة (Limestone)، التي صقلتها مياه الأمطار وشذبتها، وتتضمن هذه الرسومات مشاهد لأشكال حيوانية من خيول وجمال وربما وعل أو طهر؟، بالإضافة إلى أشكال آدمية وفرسان على صهوة خيول وطبعات أقدام وأيادي ذات أحجام مختلفة ورموز ثقافية أخرى لها دلالاتها الخاصة لدى شعب تلك الحضارة والتي من الصعب جدا تفسيرها لارتباطها بمفاهيم ومعاني غير معروفة إلا لدى إنسان تلك الحضارة معبرا بها عن مشاهد وأفكار معينة خطرت بباله فصورها، ومن الصعب جدا إعطاء تأريخ مطلق لهذه الرسومات حيث لم يعثر معها على أية أدلة مادية كالنقوش الكتابية التي يمكن أن تساعدنا على تحديد تاريخ الموقع لأية فترة زمنية، وهذا هو الحال بالنسبة لكل مواقع الرسومات الصخرية في عمان، والذي يعد واحد من أهم الصعوبات والمشاكل التي تواجه الفن الصخري في عمان مما يستدعي الحاجة الملحة إلى إجراء دراسات علمية موثقة وبذل الجهود من أجل وضع تصور وفهم واضحين لهذا الشكل الفني-الأثري. من هنا فإنني أعمل حاليا على دراسة هذا الموقع وتوثيق الرسومات الصخرية به وتسجيلها باستخدام الوسائل العلمية المتاحة بالشكل الذي يتيح الخروج بنتائج إيجابية تثري هذا الجانب المهم من جوانب الثقافة المادية للإنسان القديم.

صوره لمدفن شمال مضمار الفروسية الشرقي

 

2-  المنشآت الجنائزية أو الدينية: تتمثل في مقابر الخيول وحقول المدافن، حيث أن المسح الأثري الذي أجري في بلاد بني بوحسن(1)، والذي ركز على الجزء الجنوبي الغربي من المنطقة، أي الجزء الواقع بين جبل قهوان إلى مجرى وادي البطحاء، يشير إلى أن الاستيطان المستقر والإنتاج الزراعي المكثف كان أكثر تركزا على طول الحدود الجنوبية للإقليم، أي على طول وادي البطحاء، حيث توجد الآن مدن الواحات وأنظمة الأفلاج. وأظهرت نتائج هذا المسح الأثري في المنطقة الشمالية من البلاد وجود مجموعة من حقول المدافن ذات الركامات الحجرية. تقع حقول المدافن هذه في مجموعات معينة تشتمل على عشرات إلى مئات أو أكثر من القبور والتي هي بمعزل عن الطريق الرئيسي الحديث المجاور لها مباشرة إلى المنحدر الحاد لجبل قهوان بين الوافي وبلاد بني بوحسن. كما عثر بين حقول المدافن هذه على مدافن قليلة ذات الحجارة الثلاثية، أي مجموعة من الحجارة المتناثرة الغامضة مع حجارة صوانية غير نقية مشذبة وفخار متأخر والعديد من المباني. يتكون حقل المدافن من ثلاثة أجزاء مفصولة بواسطة حجارة الوادي والصخور المدورة، كل جزء منها يحتوي على ما يقارب مائة مدفن كلها على بروزات صخرية. وعلى الرغم من أن بعض هذه القبور ما زالت واضحة المعالم، إلا أن الغالبية العظمى منها تعرضت للدمار بسبب الزحف التنموي وعوامل التعرية. كما يشير أحد سكان المنطقة إن أعمال المسح الزلزالي الذي أجري في فترة الثمانينات من القرن الماضي  كان لها الأثر الكبير في تهدم وزوال معالم هذه القبور. في بعض الأمثلة القليلة الباقية يمكن ملاحظة بعض العناصر الداخلية كصفوف الحجارة والمنصات والأضرحة. بنيت هذه القبور من قوالب الحجر الجيري الخشنة وبعض الحصى وكسارة الحجارة من الوادي. وفي المسح الأثري الذي أجري في الفترة من أكتوبر 1987 إلى فبراير 1988(2)، تم العثور على العديد من الأدوات الجنائزية واللقى كالفخار والخرز ومواد معدنية وأواني من الحجر الصابوني والتي أؤرخت إلى العصر البرونزي والعصر الحديدي

 

3-  المسكوكات: من المعثورات الأثرية الهامة التي تم العثور عليها في ولاية جعلان بني بو حسن مجموعة من المسكوكات الفضية والأختام النحاسية. ويشير محمد بن حمد المسروري في بحثه جعلان بين الماضي والحاضر إلى أنه ” تم في شهر مارس 1999م اكتشاف كنز أثري ثمين عبارة عن مجموعة من المسكوكات الفضية والأختام النحاسية تشير الدلائل الأولى إلى أن عددا منها ينتمي إلى فترة حكم الأمويين، وأخرى سكت في عمان وقد تم تسليم تلك المجموعة الثمينة لوزارة التراث القومي والثقافة التي تقوم بدراساتها لتحديد قيمتها التاريخية والأمل في إعلان نتائج دراستها وبيان قيمتها التاريخية قريبا إن شاء الله “.

 

4-  قفزة بن غلاب: – كما أنه تم العثور في وادي القطن بمنطقة جبل قهوان على قبرين متجاورين بيضاويين الشكل ولوحظ وجود مجموعة من الحفر الصغيرة بقطر حوالي 30سم على مسافات متباعدة يبلغ عددها حوالي 14 حفرة والتي بدت للوهلة الأولى وكأنها حفرت حديثا، وبسؤالنا عن هذين القبرين والحفر قيل بأنها تسمى “قحمة بن غلاب” أي قفزة بن غلاب. وتشير الرواية على أنه كان هناك رجل يدعى بن غلاب مطارد من قبل سكان المنطقة وكان يقطن في أعلى قمة جبل محصن من ثلاث جهات بالطبيعة الوعرة للجبل حيث لا يمكن تسلقه من هذه الجهات، في حين أن الجهة الرابعة المطلة على الوادي يمكن مراقبتها بسهولة ويطلق على هذه القمة “حصن جابر”. يبعد هذا المكان عن القبرين بحوالي كيلومتر. تستطرد الرواية إلى القول أن سكان المنطقة قاموا باستخدام أحد الأشخاص ويقال أنه من الخدم ليتقرب من بن غلاب ويعمل لديه كخادم، وبالفعل فقد نجح في ذلك، وفي يوم من الأيام أخذ الخادم سيف بن غلاب وبتر ساقه وهرب فطاردة بن غلاب بساق واحدة وهو يقفز قفزات طويلة تتراوح المسافة بين القفزة والتي تليها حوالي 15-20 قدما، وعندما وصلا إلى موضع القبرين الآن تقاتلا فقتل بن غلاب الخادم ومن ثم مات هو أيضا فتم دفنهم هناك. وبسؤالنا عن الحفر أكدت جميع الروايات بأنه وإلى الآن كل من يمر يقوم بحفر تلك الحفر حيث أصبح ذلك تقليدا متبعا بين الناس ؟

 

5-  القبور الإسلامية: – وفي وادي القطن بمنطقة جبل قهوان تم العثور أثناء المسح على مجموعة من القبور الإسلامية بيضاوية الشكل ذات شواهد قبور باتجاه شمال- جنوب، وفي نفس الوادي، في موضع آخر، عثرنا على حوالي 40 قبرا إسلاميا بيضاوية الشكل. الغالبية العظمى من هذه القبور صغيرة الحجم مما يوحي بأنها ربما كانت لأطفال وهي ذات شواهد باتجاه شمال- جنوب. وفي أثناء طريق العودة إلى مركز الولاية اتجهنا إلى وادي آخر يطلق عليه وادي الخطم الذي يوجد به طريق قديم يؤدي إلى ولاية صور يعرف باسم “درب الخطم”. في أعلى سلسلة جبال الوادي تم العثور على حوالي 20 قبرا إسلاميا.

 

6-  الركامات الحجرية: – كما تم العثور أثناء المسح الذي أجريناه على مجموعة من الركامات الحجرية في منطقة الغملول عبارة عن أماكن لعزل أو حفظ صغار الماعز والتي يطلق عليها محليا “الجدرة”، هذا بالإضافة إلى العديد من المباني الدائرية والبيضاوية والمربعة الشكل التي هي عبارة عن حظائر لحفظ الحيوانات كانت مستغلة من قبل رعاة الجبل، وقد عثر على نفس هذه المباني في وادي القطن، حيث يبدوا أنها منتشرة على كافة أنحاء المنطقة.

 

7-  أبراج المراقبة:- وأيضا عثرنا في منطقة الغملول على حوالي 14 برجا دائريا عبارة عن أكوام من الحجارة يصل ارتفاعها حوالي 3 إلى 4 أمتار. ويبدو أنها كانت تستخدم كأبراج مراقبة بحكم أنها تشرف على طول الطريق للوادي، أي أنها تكشف جميع اتجاهات الوادي. البعض من هذه الأبراج ما زال شاخصا فوق سطح الأرض في حين أن البعض الآخر مندثر ويطلق على هذه الأبراج “السيب” وهي جمع “سيبه”.

 

هذه هي نبذه مختصرة عن بعض آثار الولاية التي تم العثور عليها، إلا أن هناك ومن دون شك الكثير منها غير مكتشف وما زال مبهما يحتاج إلى تضافر الجهود لكي يتم إخراجها وكشف معالمها الأثرية والتاريخية الهامة مما يثري السجل الأثري والتاريخي للمنطقة.