تقتضي العادة في جعلان في وقت القيظ فيما مضى بالانتقال من المنازل والبيوت
والمساكن المعتادة عند حلول اشهر القيظ إلى الضواحي والبساتين. فحرارة الجو
تشتد في فصل الصيف حيث لم تكن الكهرباء معروفه أبدا في السابق لذلك كان يترك
الناس منازلهم في الحوائر الشتوية لينزلوا إلى المزارع والضواحي طلباً
للبرودة والراحة تحت ظلال الأشجار والنخيل وبين مياه الافلاج.
وكانت الحالة تنقسم حسب الحياة السكنية إلى قسمين في العام ففي اشهر البرد
وليالي الشتاء يسكنون المنازل والبيوت والحوائر المبنية بالطين والجص.
أما في اشهر القيظ فهم ينزلون إلى الضواحي فيسكنون العرشان المبنية من سعف
النخيل ريثما يقضون فيها شهور القيظ وأيام الصيف ، وشهور القيظ لا تزيد عن
الأربعة اشهر أو الخمسة ويسمى المنزل الذي يقطنون في أيام القيظ بـ(( المقيظه))
وهو مشتق من القيظ.
وعندما يحين وقت القيظ ترى الناس مشغولين في إعادة بناء عرشانهم التي يتظللون
تحتها من حرارة الصيف التي لا تطاق.
أما البعض منهم فيكتفون ببناء غرفه واحده من الطين وأمامها ليوان ومجلس مكون
من سعف النخيل الذي هو العريش، وأي شخص مهما تعددت ضواحيه وبساتينه فهو يختار
واحده من بينها لتكون سكناه المفضل في أيام القيظ.
وأما البعض الذين لا يملكون شيئا من المزارع في الضواحي فيطلبون من أصحاب
المزارع بان يسمحوا لهم بالسكن في الضواحي ونصب عريش ليضعوا فيه أمتعتهم
اللازمة، واستعداهم لقضاء هذه الفترة.
وليالي القيظ رائعة جداً فترى الناس يتسامرون و يتنادمون تحت ضوء القمر
الساطع والقيظ ملئ بالفواكه كالرطب المتعدد الأنواع إلى جانب الامبا والزيتون
والتين والعنب والليمون. وعندما يتنقل الناس من البيوت في الحارة إلى الضواحي
يكون هدفهم ايضاً القرب من جني الرطب من النخيل والتبرد من حرارة الصيف في
أوقات النهار.
واشهر النخيل التي تبتدئ بالقيظ أولا هي نخلة الجدمي والنغال وهي سيده النخل
لكونها تبتدئ هي أولا بالقيظ وما أشد فرحه الأطفال عندما ما تصير النخل بسراً
فتراهم يتسلقون النخيل ليحضروا البسر فيدسونه في الرمل بالوادي ويستخرجونه في
اليوم التالي وقد صار رطباً فيلتهمونه بفرحة و سعادة.
وما اشد فرحة الرجل العماني عندما كان يحصل لأول مرة من نخيله على رطبات
قليلة فيذهب بها إلى أولاده ليبشرهم بها أو إذا كان والداه والديه على قيد
الحياة فيهديهم منها ويطلبان من الله له الصحة والعمر المديد.
والنخيل في عمان متعدد الأنواع والألوان فالخنيزي بلونه الأحمر الفاقع
والخلاص بلونه الأصفر الفاتح والجبري وغيرها من الأنواع المتعددة.
ومن اشهر النخيل في عمان التي تدر على أصحابها المال الوفير نخله المبسلي وهي
تكثر في الشرقية ونزوى فعندما يحين نضوجها تقطع قنواتها أي عذوقها فتطبخ في
المراجل الكبار والقدور وهذه الأيام التي يقوم الناس فيها بهذه العملية تسمى
بأيام التبسيل والمراجل هذه يبني عليها بالطين وتسمى هذه المبناة بـ((التركبه))
فترى الناس في عمل دائب ومستمر والحقيقة انه عمل شاق للغاية ولكنهم سعداء فهم
يرجون حصاده بما يفضي عليهم المال الذي يجهزون به حاجياتهم و لوازمهم
المنزلية بعد ذلك.
وهذا ما يسمى البسر وفي لغتنا العامية نسميه مبسل ويصدر هذا المحصول إلى
الخارج عندما يجف وهو مطلوب جداً في دول كالهند وباكستان وأفريقيا.
كما أنهم خلال هذه الفترة يحصدون بقية ثمار النخيل يساعد بعضهم الأخر وعندما
يجف التمر يوضع في الجربان أو الجرارات المصنوعة من الطين والفخار وتسمى ((
الخروس)) و الجربان المصنوعة من خوص النخل فيترك الناس لاستعمالهم التمر
الموضوع في الجرار التي هي الخروس ويبيعون الجربان المصنوعة من سعف النخيل.
وفي أيام القيظ يفد بعض الناس من أبناء قبائل البدو وأهل السواحل إلى الأماكن
التي يمكن ان يقضون فيها اشهر القيظ، منهم من يمتلك منزلا وبستان ومنهم
يقيمون في البلدة في العرشان التي يقومون بنصبها بأنفسهم و ليبتاعوا التمر و
الرطب من أصحاب البلده وهذه المنازل التي تقيم فيها البدو تسمى ((بالحاضر))
لحضور البدو فيها في أيام القيظ.
وخلاصة القول ان القيظ تطمئن فيه النفوس فالناس يستطيعون ان يخزنوا لشتائهم
التمر بالمجان كما يحصل عليه البعض من أصحاب المزارع.
والواقع ان بعض مثل هذه العادات المتوارثة القديمة قد شهدت في السنوات
الأخيرة تبدلا وتغيراً ملموساً عما كانت عليه في السابق، وذلك يعود لتوفر
الإمكانيات المادية والكماليات والوسائل الحديثة التي تحد من شدة الحر وشظف
بعض إمكانيات العيش كما كان في الماضي. إلا ان الكثير من الناس في جعلان لا
زالوا متمسكين كعادتهم إلى اليوم بقضاء فترات متفاوتة من عطلهم وعطل مدارس
أولادهم بالذات خلال فترة القيظ واشتداد حرارة الجو في مزارعهم و بساتينهم.
ـــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
من كتاب العادات العمانية للأستاذ / سعود بن سالم العنسي مع إجراء بعض
الإضافات.