
موكب التومينة
كان المعلم يجلس على الأرض في مواجهة التلاميذ وهم يجلسون مثله أمامه في صفوف
منتظمة لدراسة نطق أبجدية أحرف اللغة العربية تم تعلم تشكيل الكلمات وقواعد
اللغة، فالقراءة والكتابة السليمة وحفظ آيات القرآن الكريم أهم الأسس القوية
التي تتيح لمن عرفها الفهم الواسع لمفاهيم الدين الإسلامي ولأهمية معاني
كلمات اللغة العربية التي نزل بها القرآن الكريم وهي لغته على مر العصور.
ولهذا فان ختم القرآن بالنسبة لأي دارس في ذلك الحين كان يعادل الحصول على
ارفع شهادة أي من مراحل التعليم العام وأكثر في هذا الوقت. وكان الأمر
بالنسبة للبعض يعادل فرحة التخرج ويعمد الأهالي وسكان الحي ورفاق المتخرج من
التلاميذ للاحتفال بهذه المناسبة الهامة بالتضامن لكل فرد منهم، ويتتبع في
ذلك عادات وتقاليد راسخة تنم في الواقع الأمر عن مدى حب الإنسان العماني
للعلم والمعرفة وتقديره الكبير لعطائها الثقافي والحضاري المنعكس بالفائدة
الجمة والخير الوفير عليه وعلى أسرته ومجتمعه.
من مظاهر مواكب ختم القرآن الكريم المعروفة بالتومينه: هوان يتم عند ختم احد
التلاميذ للقرآن الكريم أي استكمال إجادته لقراءة القرآن الكريم وتجويده وفهم
معانيه أن يقيم له أهله حفلا خاصاً بهذه المناسبة ويقف التلميذ خاتم القرآن
الكريم في يمين صف رفاقه من التلاميذ الذين يدرسون معه ويقرأ المعلم سوراً من
القرآن الكريم والأدعية الدينية ويردد التلاميذ خلفه القراءة والأدعية وهم
سائرون في شورا ع الحي وأزقته، ويكون لباسهم المصر والدشداشة والخنجر أو
الحزاق و الدراسة و يحمل المتخرج بيده عصا حيث لابد و أن يكون في كامل لباسه
الوطني و زينته.
وبعد أن يدور موكب (( التومينه)) الحارة يصلون في نهاية المطاف إلى منزل خاتم
القرآن الكريم حيث يكون أهل التلميذ قد قاموا باستعدادات الضيافة وذبحوا
ذبيحة من الخرفان أو الماعز تعبيرا عن الاعتزاز بهذه المناسبة الهامة، ويرمون
(ينثرون) على ابنهم وموكبة الذرة المقلية ( الفراخ) و قطعاً نقدية أو ورقاً
من المال تكون حقاً لمن استطاع أخذها من أفراد موكب ( التويمينة).
ويستقبل بتعويذه من البخور الكثيف وبعد أن يدخل أفراد الموكب إلى المنزل
ويجلسوا إلى جانب المدعوين الآخرين كبار السن كالمعلم وأب خاتم القرآن
وإخوانه وأقربائه، يقدم لهم الفوالة العمانية التقليدية من فواكه وتمور وحلوى
و قهوة وبخور ورش بماء الورد، وبعد ذلك يقدم للجميع الغداء من القبولي واللحم
وما تجود به المائدة العمانية من مأكولات معهودة، ثم تقرأ أدعية ختم القرآن
الكريم وينصرف بعد التهنئة الضيوف والحضور ليبقى في المنزل خاتم القرآن
الكريم وأهله فرحين مستبشرين بنجاحه.
وتقام مثل هذه الاحتفالات بانتهاء طفل – والأغلب أن يكون صبياً من قراءة
القرآن الكريم كاملا، أي من ختم المصحف.
ينتظم أطفال مدرسة القرآن الكريم – صبية و بنات – في موكب يتصدره المعلم (
المطوع ) في مسيرة يقرأ فيها قصيدة ذات طابع ديني والأطفال يردون عليه في
نهاية كل بيت وبصوت واحد قوي بكلمة ((آمين)).
وهذا مثال يقال:
أبدأ بسم الله والرحمـــــــن
آمين
و بالرحيم دايم الإحســــان
آمين
الحمد لله القديم الأولـــــــي
آمين
الآخر الباقي نخولــــــــــي
آمين
ثم الصلاة و السلام سرمـدا
آمين
على النبي خير من قد وحدا
آمين
والهدف من إقامة التومينه هو الإشعار أو التعريف بان هناك صبياً أو صبيه قد
ختم كتاب الله الكريم، ويتضح أن لعادة التومينه هدفاً نفسياً فسيولوجياً عظيم
الفائدة بالنسبة لمفهوم حفظ القران الكريم، حيث أن إحساس صبي ما بان أهل
القرية يحتفلون به اليوم ونتيجة للموكب الكبير الذي يتقدمه حافظ القران بعد
أن ارتدى الزي العماني الكامل وخروج كافة الأفراد لرؤية ذلك الفتى الذكي يعطي
بلا شك لبقية الصغار إحساسا بضرورة بذل المزيد من الجهد لحفظ القرآن الكريم.
ــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
من كتاب العادات العمانية للأستاذ / سعود بن سالم العنسي