عرفت عمان تعدين النحاس وصهره منذ الألف الثالث قبل الميــــــلاد ( العصر البرونزي )، وكانت تسمى مجان أي جبل النحاس، حيث كانت غنية بخام النحاس. كيف كان يتم تصنيع هذه المادة الخام إلى نحاس ؟ كان العمال في مجان مثل عمال المناجم والحدادين وغيرهم قادرين على إنتاج كميات فائضة من النحاس على مدى القرون، لا لسد حاجة شعبها فحسب وإنما للتصدير إلى الحضارات الأجنبية.(1)
وكان الخام الكبريتدي يتطلب معرفة متقدمة للغاية عن تقنيات صهر المعادن لتحويله إلى نحاس نقي معد للصب والتشكيل. وفي موقع ميسر بالمنطقة الشرقية أسفرت نتائج الحفريات الأثرية عن اكتشاف بقايا فرن بلغ قطر قاعدته 40 سم وارتفاعه 50 سم. وبعد تفتيت الخام إلى قطع صغيرة بواسطة حجر يخلط مع الفحم النباتي ويوضع داخل الفرن، ثم يحمى عليه بمنفاخ ضخم يساعد على رفع درجة الحرارة إلى 1150 درجة مئوية، ويعمل الفحم النباتي في هذه المرحلة على تحويل الخام إلى نحاس كبريتيدي. ومن ثم يعاد صهر النحاس الكبريتيدي في فرن آخر للتخلص من الكبريت، ثم يمر الناتج بمرحلتين أخريتين من الصهر في البوتقات، وينتج عن هذه العملية نحاس نقي يصب في حفر مسطحة بالرمل لتبريده مما يضفي على السابئك النحاسية شكل أقراص دائرية ومسطحة.
ومن هنا فإن الفحم النباتي يلعب دور كبير وفعال في هذه الصناعة باعتباره مصدر من المصــــادر الرئيسيـــــة للطاقـــــة. والوقـــــود المستخــــدم فـــي هذه الصناعة من أشجار السنط ( Acacia tortillas ) الذي يحترق ببطء ويصدر درجات عالية من الحرارة، وقد جاء في سلسلة ( تراثنا ) التي أصدرتها وزارة التراث القومي والثقافة (( أما الوقود فكان ميسورا في معظم الأماكن بفضل وجود غيضات شجر السنط، فهذا الخشب الصلب البطيء الاحتراق كان وقودا مثاليا لعملية الصهر بالتطفيح التي كانت تحتاج إلى حفرة فحم خشبي ( أو مشحرة ) فعليـــــــه.
ونجد أن هناك علاقة واضحة بين مناطق توفر هذه الأخشاب ومواضع التعدين، فعلى سبيل المثال منطقة وادي الصفافير التعدينية بسمائل نلاحظ أن الشجر المذكور ينمو فيها بكثرة بالإضافة إلى وادي سمائل القريب منها.
وقد عثر في بعض المناجم على قطع صغيرة من الفحم وإن كانت نادرة وباعتبارها مادة عضوية، ففي منجم العرجاء عثر على بعض القطع حللت بواسطة الكربون المشع C14، وأعطى تحليل تاريخ 1495م. وفي تحليل عينات من موضع الروضة حصل على تاريخ 1620م، ومن منجم الأصيل عثر على عينات أعطتنا تاريخ 1730م، وهي نتائج محددة بصورة دقيقة ساعدت على تاريخ التعدين في هذه المناجم.
____________________________
إعداد / جهة الإشراف على الموقع