الشاب الذكي

 الشاب الذكي

كان هناك شاب فقير يعيش مع أمه، يزرع الارض ويحصدها، ويبيع محصولها ويقتاتان بثمنه.

وذات يوم فكر الشاب في أن يهدي محصوله إلى الحاكم الذي كان يشتهر بكرمه وعطفه عله يتكرم عليه ويعطيه شيئاً من المال.

أخذ الشاب محصوله، وحمله على الحمار، وتوجه إلى مدينة الحاكم، وعبر الوديان أياماً وليالي حتى وصل إلى أبواب المدينة.

وصادف في ذلك اليوم أن الحاكم كان خارجاً للصيد دون مرافقة أحد، وكان من عادته أن يتخفى في ثاب العامة حتى لا يتعرف إليه الناس.

فالتقى به الشاب وحياه.. ورد الحاكم عليه التحية. وسأله قائلاً:

ماذا تحمل في هذه الأكياس؟

قال :  والله يا أخي وضعت كل محصولي في هذه الأكياس كي أعطيه للحاكم عله يرحمني، يعطف عليّ، ويكرمني بشىء من المال.

قال الحاكم : وكم تظن أن الحاكم سيعطيك؟

قال الشاب : لا بد أنه سيعطيني ألف دينار.

قال الحاكم: ولكن هذا مبلغ كبير.

قال الشاب : إذن سيعطيني تسعمائة دينار.

قال الحاكم : وهذا كثير أيضاً.

قال الشاب : ثمانمائة دينار.

قال الحاكم : وهذا كثير.

قال الشاب : سبعمائة دينار.

قال الحاكم : وهذا كثير كذلك.

قال الشاب : ستمائة دينار.

قال الحاكم : لا أظن أن الحاكم سيعطيك ستمائة عن هذا المحصول.

قال الشاب : خمسمائة دينار.

قال الحاكم : هذا كثير جداً أيها الشاب.

وكلما ذكر الشاب مبلغاً قال الحاكم له أنه كثير حتى أوصله إلى خمسين ديناراً، ولكن الحاكم قال: هذا كثير.

قال الشاب : خمسة وعشرين ديناراً.

قال الحاكم : لا، هذا كثير أيضاً.

قال الشاب حانقاً : اسمع اذن … إذا كان هذا الحاكم لا يستطيع دفع خمسة وعشرين ديناراً مقبل هذا المحصول فهو إذن حاكم خسيس.

وأخذ الشاب يشتم الحاكم ويصفه بأقبح الالفاظ.

فضحك الحاكم، وكان صدره رحباً، فلم يحمل أية ضغينة على الشاب، ثم افترقا، وعاد الحاكم إلى قصره بينما واصل الشاب مسيره.

قال الحاكم لخدمه : سيأتيكم شاب ليهديني محصوله، فأدخلوه عندي على الفور.

فقالوا له : سمعاً وطاعة.

جلس الحاكم على عرشه، وبعد قليل وصل الشاب إلى ديوان القصر، وألقى التحية.

فقال له الخدم : من أين أتيت؟

فأخبرهم الشاب بحكايته.

قالوا له : دع حمارك هنا وتعال لمقابلة الحاكم.

أخذوا الشاب إلى الحاكم ومثل بين يديه وألقى عليه التحية، فأمره الحاكم بالجلوس.

وقال له : سأسلك سؤالاً .. بمن التقيت في طريق رحلتك؟

قال الشاب : لم التق ِ بأحد.

قال الحاكم : تكلم بالصدق وإلا أمرت بقطع رأسك.

قال الشاب : سأقول الصدق، لكن أعطني الامان بأن لا تقطع رأسي لأن أمي ليس لها عائلٌ، أو أحدٌ غيري.

فأعطاه الحاكم الامان.

قال الشاب : التقيت برجل فقير، وسألني عن وجهتي، فقلت له:

سآخذ محصولي إلى الحاكم لعله يعطف علي ويعطيني شيئاً من المال، فقال لي: وكم تظن أن الحاكم سيعطيك، قلت له : ألف دينار، لكنه قال: إن هذا مبلغ كبير، قلت : تسعمائة دينار، فقال : هذا كثير، قلت : ستمائة دينار، قال : هذا كثير، حتى أوصلني إلى خمسة وعشرين ديناراً، فقال: هذا كثير أيضاً، فقلت له : سأقبل ما يعطيني الحاكم جزاه الله ألف خير.

ضحك الحاكم وقال: تكلم بالصدق وإلا أمرت بقطع رأسك، بماذا أجبت الرجل الفقير؟

قال الشاب : ألن تقتلني إذا أخبرتك بما قلت؟

قال له : لا .. لن أقتلك.

فأخبره كيف غضب، وانهال بالشتائم على حاكم ذاع صيته بأنه كريم عطوف، ثم يستكثر ثمناً لمحصوله خمسة وعشرين ديناراً، وعندئذٍ أمر الحاكم بملء أكياسه بالمال على أن تحسب له ألف دينار وتسعمائة وثمانمائة وستمائة وخمسمائة ومائتان وخمسون ديناراً.

أعطوا الشاب المال وأخذوا منه المحصول، فوضع الاكياس على ظهر الحمار وخرج من قصر الحاكم.

في هذه الاثناء كان الوزير يتابع ما يحدث بين الحاكم والشاب، فقال لنفسه هل يستحق هذا الشاب كل هذا المال؟ سأسأله سؤالاً إذا عرف جوابه أخذ المال، وإذا لم يعرف أخذته منه.

ودون أن يخبر أحداً خرج وراء الشاب حاملاً سيفه وخنجره، وواضعاً عمامته فوق رأسه وأوقف الشاب في الطريق قائلاً : ماذا عندك أيها الشاب؟

قال الشاب : عندي عطايا أنعم بها الحاكم عليّ.

فقال الوزير: سأسألك سؤالاً إذا أجبتني عليه فالمال لك، وإذا لم تجب فسآخذ منك المال.

قال الشاب : اسألني.

قال الوزير: ما هو شغل الله سبحانه وتعالى؟

ضحك الشاب. فسأله الوزير عن سبب ضحكه.

قال الشاب : إن جواب سؤالك هذا سهل جداً.

قال الشاب : إذن أجبني عليه.

قال الشاب : لن أجيبك إلا إذا تبادلنا ثيابنا، ألبس أنا ثيابك وتلبس أنت ثيابي وتأخذ حماري ومالي ، هذا هو شرطي وإلا لن أجيبك على سؤالك.

وافق الوزير على الشرط وتبادلا الثياب.

لبس الشاب ثياب الوزير وأخذ سيفه ، ولبس الوزير ثياب الشاب وأخذ حماره وماله.

قال الشاب : إن الله سبحانه وتعالى لا يشتغل ولكنه يرفع درجات إنسانا وينزل درجات إنسانا آخر ، أليس هذا هو الجواب الصحيح؟

قال الوزير : نعم.

وأراد الشاب أن يمشي عند ذاك فأوقفه الوزير.

فقال الشاب: إن الحمار والمال معك وأنا عندي عمامتك وثيابك وسيفك فإلى اللقاء.

وعاد الشاب إلى قصر الحاكم ودخل عليه وحياه ، فقال له الحاكم: لقد خرجت من هنا بحمارك ومالك وعدت إلينا الآن بثياب الوزير ، ماذا حدث؟

قال الشاب : يا مولاي لقد تبعني الوزير وأوقفني في الطريق وسألني قائلا : ما شغل الله سبحانه وتعالى ؟ وقال : إذا أجبت على هذا السؤال فإن المال لك ، وإذا لم تجب فالمال لي ، فقلت : له إن الله لا يشتغل ولكنه يرفع درجات من يشاء وينزل من يشاء درجات ، وهكذا رفعني الله إلى مرتبة الوزير وأنزلك أنت إلى مرتبة الفقير.

فطلب الحاكم من خدمه أن يحضروا الوزير .

فأحضروه وسأله الحاكم : هل صحيح ما يقوله هذا الشاب عنك؟

فلم ينبس الوزير ببنت شفه.

عندئذ أمر الحاكم بقطع رأسه لأنه ليس أهلا لهذا المنصب.

ثم قال للشاب : خذ مالك وأنت وزيري منذ اليوم.

وهكذا صار الشاب وزيرا، وبنى له الحاكم قصرا وتزوج وعاش سعيدا.

 

شاهد أيضاً

الاصدقاء

الأصدقاء كان في قديم الزمان لأحد التجار الميسورين ابن وحيد مدلل . ولاحظ الأب أن …

اترك تعليقاً