الاصدقاء

الأصدقاء

كان في قديم الزمان لأحد التجار الميسورين ابن وحيد مدلل . ولاحظ الأب أن أصدقاء ابنه يسرفون في طلباتهم من الابن . فمنهم من يسأله مالاً ، ومنهم من يطلب ثياباً ، ومنهم من يرغب في ركوب الخيل . والأب في ذلك كله يلبي طلبات أصدقاء ولده دون ممانعة . وذات يوم سأل الأب ابنه :
لماذا يكثر أصدقاؤك من طلباتهم ؟

فقال الابن : لأن الصديق عند الضيق . وقد وعدني أصدقائي بأنهم سيقدمون لي المساعدة إذا احتجتها في المستقبل . فإن أحدهم مثلاً وعدني بأنه سيزوجني أفضل وأجمل شقيقاته ، وهناك من تعهد بحمايتي والدفاع عني إذا ما مسنّني سوء.
تظاهر الأب بالاقتناع إلا أنه ظل يشك في أن أقران ابنه يستغلونه ويستغفلونه ؛ ولذا فكر في حيلة يختبر بها صدقهم ووفاءهم لولده . فذبح كبشاً وسلخه ووضعه في كيس من الخيش في ساحة الدار . وعندما عاد الولد إلى البيت أصابه الفزع من منظر الكيس والدم المنساب منه ، فبادره والده بالقول :
اطمئن يا ولدي . هذا الكيس يضم جثة رجل حاول اليوم مهاجمة والدتك ، فصرخت مستغيثة ، فيما كنت أدخل البيت ؛ فانقضضت عليه بخنجري وقتلته ، ثم لففته كما ترى في هذا الكيس … وعلينا أن نتخلص من جثة هذا المجرم بإلقائها في البحر ، فهل لك أن تذهب إلى أصدقائك الكثيرين وتطلب منهم المساعدة في نقل الجثة إلى الشاطئ ؟

انطلق الولد من ساعته إلى أصدقائه يطلب منهم واحداً واحدً تقديم المساعدة له ولأبيه في حمل الجثة ورميها في البحر ؛ إلا أنهم خذلوه جميعاً . فعاد إلى والده خائباً منكس الرأس لما سببه له أصدقاؤه من حرج .
غير أن الأب هّون عليه الأمر وقال له :
لا عليك يا بني . ما رأيك في أن تتوجه الآن إلى صديقي الوحيد العجوز الفقير الذي يسكن في طرف الحيّ ؟ وتحكي له القصة ، وسنرى ما يكون من أمره ؟
هرع الولد لطلب المعونة من صديق والده الشيخ . وما أن سمع هذا الأخير بالأمر حتى خف لمساعدة الوالد وتوجه مع الولد إلى البيت  . غير أن أصدقاء الولد كانوا في تلك الأثناء قد بادروا إلى إبلاغ الوالي وطلبوا منه أن يرسل الحرس للكشف عن الجريمة وإلقاء القبض على مرتكبها .
وصل الولد وصديق والده إلى البيت وأقترح الصديق أن يحفروا حفرة ويدفنوا الجثة فيها بدلاً من نقلها ورميها في البحر . فحفروا الحفرة … وهيأوها . غير أن الأب ، إمعاناً في تنفيذ حيلته ، قال :
أرى أن نحرق الجثة بدلاً من دفنها على هذا النحو ، فنمحو بذلك أثر .
وقام الأب وأوقد ناراً ضخمة في قاع الحفرة ، وحملوا الكيس ورموه فيها فوق النار ثم هالوا عليه التراب .
وعند ذاك وصل الحرس معهم أصدقاء الولد الذين وشوا به ، وشاهدوا الدماء في ساحة الدار ، وطلبوا من الأب أن يريهم جثة القتيل ؛ فاصطنع الدهشة والاستنكار:
عمّ تتحدثون ؟ جثة ؟ قتيل ؟ أنتم واهمون ومضللّون !
فسأله أحد الحرس :
ما هذه الدماء إذن ؟ وأين ذهبت بالكيس الذي كان ملقى في هذه الساحة والدماء تسيل منه .
فأجاب الرجل هازئاً :
هذه الدماء سالت من كبش ذبحته وسلخته اليوم ، ووضعته في هذا الحفرة فوق النار للشواء ودعوت صديقي هذا لمشاركتي الطعام . وأنا لا أعرف عمّ تتحدثون أيها الحراس .
قام من توه  إلى الحفرة ، وأزاح التراب ، وأخرج الكبش الذي أنضجته النار ، وراح يقطعه ويقدم منه لصديقه تارة ولولده تارةً أخرى ، ويلتفت إلى الحرس المشدوهين قائلاً :
تفضلوا بالله عليكم وشاركونا طعامنا … أرجوكم … هل لكم  في هذه القطعة الشهية من لحم القتيل ؟!
أخذ الحراس يتمتمون ويتصببون عرقاً مما كانوا فيه من الحرج والارتباك ، فانثنوا على أعقابهم ، واقتادوا معهم الصبية الذين سعوا لديهم بالوشاية .
أما الرجل ، فنظر إلى ولده وهو يناوله قطعة من اللحم المشوي وقال له معنفاً :
عليك أن تحسن اختيار أصدقائك يا بني . لقد كنت تتوهم أن لديك عشرين صديقاً ، وكنت تحقق كل رغباتهم ومطالبهم .. لكنهم جميعاً حنثوا بعهودهم وخذلوك وقت الشدة . وأكمل الأب حديثه وهو يناول صديقه العجوز قطعة أخرى من اللحم الناضج .
أما أنا فلدي صديق واحد … وقد بادر لمساعدتي عندما التمست منه العون ، فلا تسمح لأحد أن يستغفلك ؛ فإن صديقاً وفياً واحداً خير لك من ألفٍ ممن يظهرون لك الصداقة ويضمرون لك الوقيعة .

 

شاهد أيضاً

الصياد

الصياد كان هناك رجل كبير السن يعيش في إحدى المدن القريبة من البحر .. وكان …

اترك تعليقاً