الغني والفقير
كان هناك أخوان ، أحدهما غني والآخر فقير ، وكان للأخ الغني إبنة ، وللأخ الفقير ولد . وقد تربيا معاً ، ونشأت بينهما محبة وبعد أن كبرا أتفقا على أن يكون كل منهما للآخر .
وكان الأخ الفقير يذهب إلى دكان أخيه الغني فينهره هذا الأخير ويغضب في وجهه مستنكراً وجوده في الدكان . وكان يقول له : إنه يفضحه بالمجيء إلى دكانه ليطلب المال . وكان وكيل الأخ الغني يعطف عليه ويعطيه بعض ما يحتاجه دون علم الأخ الغني .
وذات يوم قرر الابن أن يتزوج إبنة عمه ولكنه كان خائفاً أن لا يوافق عمه على زواجه فطلب ذلك من والده .
قال الأب : إن عمك قاسي القلب ، ولا يكن لي أية مودة أو أي إحترام . ولن يوافق على ما أطلب .
قال الابن : حاول أن تساعدني يا أبي .
ذهب الأب إلى أخيه الغني وقال : السلام عليكم .
قال الأخ الفقير : أريد أن أتحدث معك .
قال الأخ الغني : ماذا تريد مني ؟ تكلم .
قال الأخ الفقير : أريد أن أحدثك في أمر خاص ، فأنا إنسان مثلك وإن كنت لا أملك ما تملكه ، هل كنت تحتقرني لو كنت غنياً ؟
قال الأخ الغني : هيا تكلم وقل لي ماذا تريد ؟
قال الأخ الفقير : لقد كبرت ابنتك ، وكبر أبني ، وحان الوقت لنزوجهما .
نهره الأخ الغني قائلاً : هل أزوج إبنتي لابنك أنت ؟! وصاح فيه غاضباً : هيا أغرب عن وجهي …وإياك أن تكرر طلبك هذا .
خرج الأخ الفقير حزيناً وعاد إلى البيت وأخبر إبنه بما حدث .
ذهب الابن إلى بيت عمه ، وطرق الباب فخرجت ابنة عمه فقص عليها ما حدث بين أبيه وأبيها ، وكيف رفض أبوها بإصرار زواجه منها .
قالت إبنة عمه : إنني لن أتزوج رجلاً غيرك .
ثم طلبت منه الانتظار ، وذهبت وأحضرت نقوداً أعطتها له قائلة :
خذ هذه النقود واشتر بها ناقة ، وكن مستعداً بعد غد لأنني سآتي إليك في الساعة الثانية بعد منتصف الليل ، وسنرحل بعيداً عن هذا المكان .
إشترى إبن العم ناقة ذلولا ، وذهب بها إلى المكان المحدد وهناك إنتظر قدوم إبنة عمه .
انتظر طويلاً حتى تعب وغفت عينه فنام .
في هذه الأثناء ، كان البدوي الذي اشترى منه ابن العم الناقة يعبر في تلك الأنحاء ، ولما رأته الناقة هربت من ابن العم وذهبت إلى صاحبها .
فرح البدوي بناقته وربت عليها ومسح على جلدها قائلاً :
( نعيتيني يمصيحه نعييتيني يا خميسه جان انتي هنيه معكوله ومربوطه … نعيتيني أنى اليوم بتودع منج بركد تحتج )
لقد عرفتني يا ناقتي المخلصة ، سأبقى معك لأودعك ، وسأنام تحتك هذه الليلة.
ونام البدوي تحت الناقة .
عندما حان الموعد ، هربت ابنة العم من بيتها بعد أن أخذت ثيابها ومالها ، وجاءت إلى المكان المتفق عليه فرأت الناقة واعتقدت أن النائم تحتها هو ابن عمها .
فنادته وطلبت منه أن يسرعا في الفرار .
في الصباح نهض ابن العم من نومه باحثاً عن الناقة فلم يجدها ، فأخذ يتتبع أثرها .
وفي هذه الأثناء اكتشفت إبنة العم أن الرجل الذي برفقتها ليس ابن عمها فحاولت التخلص منه وقالت له : هل معك زاد ؟
قال البدوي : لا وهل معك أنت زاد ؟
قالت : لا زاد معي ، لكن أرى بيوتاً من بعيد فاذهب وأبحث لنا عن طعام وسأنتظرك أنا هنا .
وتصادف أن إلتقى الشاب إبن عم الفتاة بالبدوي وهو يبحث عن الزاد ، فحياه وقال له : هل رأيت إمرأة ومعها ناقة في هذه الأنحاء ؟
قال البدوي : نعم .
وقص عليه ماحدث مع الناقة وإبنة عمه ، وعرض عليه أن يصحبه للبحث عنهما .
في هذه الأثناء وصلت إبنة العم إلى البحر وقررت أن تستريح قليلاً على الشاطىء وتستحم في البحر .
وعندما كانت تستحم مرت سفينة تمخر عباب البحر ، وكان ربانها يكتشف المكان بمنظار مكبر ، فوقعت عيناه على البنت وهي في المياه وحيدة ، فأمر بحارته أن ينزلوا القارب ويأتون بها .
أنزل البحارة القارب وأتجهوا نحو البنت وهجموا عليها وأخذوها عنوة وأخذوا الناقة معها وعادوا إلى السفينة .
ولم يمض وقت طويل حتى وصل ابن العم ومعه البدوي إلى البحر .
قال ابن العم : يا أخي لا أثر هنا لإبنة عمي ولا للناقة .
قال البدوي : إن البنت والناقة سبحتا إلى داخل البحر .
قال إبن العم : وكيف عرفت ذلك ؟
فبين له البدوي آثار الأقدام على الشاطىء .
وعندئذ قرر ابن العم أن يواصل البحث عن إبنة عمه وعن الناقة بينما عاد البدوي إلى دياره .
أخذ إبن العم يقطع الطرق سيراً على قدميه حتى وصل إلي اليمن ولم يجد إبنة عمه هناك ، وواصل سيره حتى وصل إلى السعودية ولم يجدها هناك أيضاً ، ثم وصل إلى مصر … وهناك سأل عن سفينة محملة بناقة .
فقالوا له إذهب إلى صاحب الميناء .
فذهب إبن العم إلى صاحب الميناء الذي أخبره بأنه رأى بنتاً مع ناقة بصحبة رجل إنجليزي . فأخذ يبحث عن بيت الإنجليزي حتى وجده ، وهناك رأى الناقة مربوطة ، فطرق الباب ، وعندئذ خرجت إبنة عمه وحين رأته فرحت بلقائه ، فسألها عن قصتها فقالت : إن ما حدث ليس خطأي بل خطأك .. لقد سببت لي التعب والعناء.
فقال : لا … ليس أنا .. فأنت عندما ذهبت للناقة وجدت البدوي نائماً ، فأيقظته ، دون أن تتأكدي من شخصه . أما أنا فعندما إستيقظت تتبعت أثرك حتى تقابلت مع البدوي الذي أرسلته ليبحث عن الزاد وسألته فأخبرني بأنك كنت معه .. لكنه لا يدري أين ذهبت … وترافقنا نبحث عنك حتى وصلنا إلى البحر فرأينا آثارك وآثار الناقة فقصصناهما بحثاً عنك ولكننا بعد ذلك فقدنا الأثر .
فقالت : عند إفتقاد الأثر كنت أسبح في البحر ، والناقة واقفة على الشاطيء وظهرت لي فجأة سفينة وبها ثلاثة أفراد قاموا باختطافي ، ووضعوني في السفينة ومعي الناقة إلى أن وصلنا إلى هنا ، فسألتهم أين نحن ؟ فقالوا نحن في مصر … ثم وضعوني أنا والناقة في هذا البيت إلى أن جئت أنت الآن … فانظر ماذا يكون الأمر .
ذهب ابن العم إلى القاضي وقدم شكوى ضد الرجل الإنجليزي ، فأمر القاضي بإحضار الإنجليزي وقال له :
كيف سولت لك نفسك أن تنزل بلاد العرب وتختطف بنتاً وناقة ؟
تلعثم الرجل ولم يستطع الانكار ، فأمر القاضي بإيقافه وتغريمه غرامة مالية كبيرة . وأعطى المبلغ للرجل وإبنة عمه فبقيا في مصر سنة كاملة يشتغلان في التجارة حتى تكونت لديهما ثروة كبيرة .
قال الشاب لابنة عمه : لقد أصبحنا أغنياء الآن ، فماذا تريدين أن نفعل ؟
قالت له : نبعث باخرة محملة بجميع صنوف البضائع إلى أبيك .
فوافق إبن العم فوراً على فكرتها .
وصلت الباخرة إلى بلد الأخ الفقير ، وأبلغوه بأن باخرة وصلت محملة بجميع أنواع البضائع ، وكلها ملك له . ونتيجة لجهلة بأمور التجارة ذهب إلى أخيه الغني ، وأخبره بأن إبنه أرسل إليه باخرة محملة ببضائع كثيرة ، وبأنه يفوضه للتصرف في هذه البضائع وفق ما يراه لأنه لا خبرة له في أمور التجارة .
أظهر الأخ الغني إهتماماً كبيراً بما سمعه من أخيه الفقير ، وقال له :
لا تهتم يا أخي بالأمر ، إسترح أنت في بيتي وسأتكفل أنا بكل شيء .
قال الأخ الفقير : أترضى أن أقيم في بيتك ؟.
قال له الأخ الغني : ستقيم في بيتي معززاً مكرماً .
وبعد ذلك تولى الأخ الغني تصريف البضاعة وبيعها وكسب مالاً وفيراً أحضره إلى أخيه الذي رفض أخذه قائلاً :
خل المال معك فأنت أدرى بشئونه .
وبعد شهرين جاءت باخرة ثانية محملة بالضائع .
قال الأخ الغني :
لماذا كل هذا العناء ؟ أكتب إليهما لنعرف إذا كانا قد تزوجا أم لا .
فكتب الأخ الفقير إلى إبنه رسالة يستفسر فيها عن أمر زواجه من إبنة عمه فجاءه رد من إبنه يقول إنهما لن يتزوجا إلا برضاهما .
فكتب إليه ثانية يقول : إنهما راضيان عن زواجهما ، ويطلبان منهما العودة .
وعندئذ عاد ابن العم مع إبنة عمه إلى البلاد ، وعمت الأفراح وتزوجا ، وعاش الجميع في خير وسعادة .