نصوص ( نبهان الحنشي )

حظ

يا الله سبحانه..تعجب كيف يغرس البسمة في وجه الحظ العابس تعجب كيف يذكر الله كثيرا..ويحمد الله أكثر..وكيف أنه لخوفه من الله لم تطأ الخمرة مسالك فمه ولو لمرة..وكيف أنه اكتشف أنه أمه مجرد امرأة وأن امرأته مجرد أم..لذلك اقتنع عن يقين أن الغنى ليس خرافة والفقر ليس فجيعة..لذلك للآن يعمل على أن يكون مجرد رجل يدرك تماما وبإتقان كيف يغرس البسمة في وجه الحظ العابس مع أنه ليس هنالك من حظ يذكر..

***

أهل اليمين

قال له أباه ذات ظهيرة صفراء:

يدك اليمنى تشبه اليسرى..كلاهما مجرد يد..ولكن تبقى اليمنى أفضل.

وأكد له معلم التربية الإسلامية قبل أكثر من عقد أن الشيطان يأكل باليسرى..لذلك ظل لا يسبح إلا باليسرى خشية أن يسبح الشيطان معه..

وكان قد أخذ على نفسه عهدا بأن لا يتزوج إلا امرأة اسمها يمنى..ولأن في بلدته اسم كهذا خرافة ظل بلا زواج..

وحينما زلت قدماه مرة ووقع على أرض صلبة أدت إلى كسر يده اليمنى أقسم يمينا على أن لا يأكل حتى تتعافى يمناه..

لذلك مات شهيدا في حب اليمين..

***

اجتماع

        تتابعوا الدخول..تجمعوا حول مائدة مستديرة عظيمة المنظر..قيل أنها كلفة البحر أكثر من مليون كوز من الماء..أما القاعة وديكورها من أثاث وشمعدان ورخام وطلاء فقد كلفت البستان أكثر من مليون حبة من مختلف أنواع الفواكه.

باسم الله ابتدأوا وبحمده..تحدثوا كثيرا..ضحكوا كثيرا..كتبوا كثيرا..أكبرهم اسما نهض فهموا جميعا بالنهوض مستبشرين..أشار لهم مبتسما بكفه بالثبات وقال (وقت مستقطع للضرورة ثم نستأنف).واتجه لليسار..باب بضغطة زر زحف لليسار دخل من إيمانه وحسن أخلاقه باليسار وتعوذ..حسب نفسه أمام بوابة قصره قبل أن يدرك أنه داخل الـ…

الباب هذه المرة زحف لليمين..كاد أن يخطيء ويخرج باليسار..تتدارك الموقف وقد اليمنى وقال غفرانك…نهض الجميع وتسابقوا في قول “نعيما نعيما”.أمرهم بعد جلوسه بالجلوس..فترة بعدها تثاوب..نظر لساعته..أشار بالختام..فقد تحدثوا كثيرا وضحكوا كثيرا وكتبوا كثيرا..

تناوبوا الخروج..والضحك صار أكثر..كان الرخام يصدر صريرا00بعدها ظل لمعانه وبقايا أوراق..رؤوس أقلام..صدى الضحكات وموعد أخر..

***

فوتوغرافية وجوه

        وجه بعيد:

        ظل يقذف..تفلت من بين يديه زهرة لتصطدم بالأخر جمرة..بينه وبين العالم الأخر شطر شعرة..يعود لمنزله..يمارس حياته العادية الاعتيادية..يأكل يشرب يصلي ينام..وإن وجد يحلم..وإن اتسع يضحك محاولا صنع أسبابا للضحك..إن خرج من بيته يودع ويوصي مثل الحمام..ما إن تفارق عشها حتى ينتظرها إما بندقية صياد أو ضربة شمس.

        وجه قريب:

ظل يقذف..خوف أن يُرمى برصاصة إن لم يقذف بحجر..كان يبكي إن قذف..وإن ذهب لفراشه أجهش في البكاء..على الجانب الأخر من سريره عينان تشاركانه البكاء والرثاء. يبذل في حياته كل ما يملك..خوفا من أن تأتيه اللحظة التي تجرده من كل ما يملك.أو أن تأخذه اللحظة مما يملك.وكان كلما داعب النوم الهارب جفونه تقافز في مخيلته المغبرة سؤال:”هل حقا ليس سوانا من عرب؟”

وجوه بلا ملاح:

المكان هو حيث يجدون الحجارة..الزمان هي لحظة رميه الحجارة..الحياة هي لحظة أن تعانق جسدهم رصاصة..فهم خلقتهم اللحظات..وهم أجداد الشهداء أباء الشهداء أبناء الشهداء أحفاد الشهداء أصدقائهم جيرانهم..ومازالوا ومازالوا..وحينما سئل أحدهم ابتسم كأن لم يبتسم منذ قرون خلت..ضحك طويلا وكأنه يضحك للمرة الأخيرة..احتضن صغير قبالته وكأنه يشيع فيه اللحظان الأخير..قال بصوت المنتصر الواثق من نصر قادم..كذلك هم الساعون للحياة..

نبهان سالم الحنشي
alhanashi@yahoo.com

شاهد أيضاً

فـراغٌ بلا نقـط ( نبهان الحنشي )

  ((قبل أن ننزف من الأرق الفراغ..يا منافينا: لنا موت نما فينا لنا وطن ينادينا)) أشتم …