طالب نصيحة

طالب نصيحة 

عاش حطاب عجوز مع زوجته ، يجمعان الحطب ويبيعانه . وشاء الله أن يرزقهما بطفل بعد أن تقدمت بهما السن . ففرحا به وراحا يعملان بهمة ونشاط أكبر في جمع الحطب وبيعه وادخّار المال اللازم لتأمين مستقبل الطفل إلى أن وصل المال إلى ثلاثمائة دينار.

وذات يوم مرض الحطاب وأحس بدنوّ ساعته ، فنادى زوجته وقال لها :

أوصيك خيراً بولدنا . وبين يديك الآن الثلاثمائة دينار التي جمعناها لضمان مستقبلة ، فلا تعطيها له ولا تضيعيها . واحتفظي بها إلى أن يبلغ سن الرشد ويعرف ماله وما عليه . وعندها خذي النقود واذهبي إلى شيخ  القبيلة في البلدة، وهو شيخ كبير. وأشتري منه ثلاث نصائح .. ثلاث كلمات من رأس عاقل . اشتري له ثلاث كلمات !

وبعدها بأيام فارق الحطاب الحياة . فتولت الأم أمر الطفل وأحسنت تربيته .

وعلّمته القرآن الكريم وأركان الدين والقراءة والكتابة .

لما بلغ الصبي سن الرشد ، أراد الزواج ، فاقترب ذات يوم من أمه وسألها :

يا أماه … ألم تدخّري شيئاً لمثل هذه الأيام ؟ ألم يترك لنا والدي ما نستعين به عند الحاجة .

فكرت الأم مليّّا ثم قالت له :

أمّا وقد بلغت مبلغ الرجال ، فلن أخفي عليك شيئاً يا ولدي . لقد ترك لك أبوك ثلاثمائة دينار وأوصاني أمام الله أن يشتري لك بها ثلاث كلمات من رأس انسان عاقل. هيا بنا ننزل إلى البلدة لهذا الغرض.

نزلت الأم والولد إلى  البلدة . وظلت تسأل من تلقاه من الناس عن شيخ كبير في البلد فأرشدوها إليه. فدخلت عليه وقالت له : قصدناك يا شيخ طلباً للمشورة. فقد أوصاني زوجي قبل وفاته بأن أتوجه إليك مع ولدي واشتري له ثلاث نصائح من رأس عاقل.

فقال لها الشيخ: وأنت عازمة الان على تنفيذ وصية زوجك؟

فقالت : نعم يا شيخ.

فقال لها: إذن هاتي مائة دينار.

فأعطته ما طلب. فأمسك بيدي الولد وقال له:

يا ولدي … أبوك أوصى أمك أن تشتري لك ثلاث كلمات من رأس عاقل. هاك النصيحة الأولى :” أقنع بالقليل تزدَدْ  خيراً”.

وخاطب الشيخ الأم قائلاً:

هاتي المئة الثانية

فلما ناولته النقود قالت للولد:

… “إياك أن تخون الأمانة حتى ولو خانها غيرك”.

أما بالنسبة للنصيحة الثالثة فقد قال الشيخ للأم:

سلميني مائة دينار أخرى.

وعندما أعطته النقود قال للولد:

يا ولدي، ” إذا قدم لك أحدهم فنجان قهوة في الصباح فلا ترفض دعوته و لا ترده من يده، فإن فنجان القهوة هذا سينجيك من الموت، فأشربه و لا تترد”.

ثم التفت إلى الأم قائلاً لها: هذا الولد سينزل إلى البلدة، ويكتب بالقلم.

توجه الولد إلى وسط البلدة، فلقيته إمرأة عجوز وطلبت منه أن يكتب لها خطاباً تدخل به على السلطان. فجلس الولد في مقهى صغير، وكتب لها الخطاب، وقدمته العجوز للسلطان بالخطاب وقضى حاجتها، وسألها : من كتب لك هذه الرسالة؟

فقالت: كتبها ابن الحطاب الذي كان يبيع الحطب.

وعادت العجوز إلى الولد فأعطته ربع دينار. فرفض المبلغ أول الأمر قائلاً للمرأة إنه يستحق أكثر من ذلك. غير أنه تذكر على الفور نصيحة الشيخ بأن يقنع بالقليل فيزداد خيراً. فقبل بربع الدينار.

وفي هذه الأثناء بعث السلطان بجنوده فعثروا على الولد وأحضروه حيث عين كاتباً في القصر، وخصص له راتب كبير وحظي بمكانة مرموقة.

وذات يوم اعتزم السلطان السفر لأداء فريضة الحج. فاستدعى الولد وعهد إليه بشؤون القصر أثناء غيابه، وائتمنه على كل ما فيه.

وكان الولد يعود عند انتهاء عمله في القصر في آخر النهار إلى بيت والدته ليبيت فيه، غير أنه منذ غياب السلطان بدأ يقيم في القصر ليرعى شئونه.

لكن زوجة السلطان لم تكن من النوع الذي يصون العهد. فذات ليلة دخلت حجرة الولد وراحت تراوده عن نفسه، لكنه قاومها وأفلت منها عائداً إلى بيته، فبات فيه وعاد إلى القصر في الصباح، وظل على هذا المنوال إلى أن عاد السلطان.

لم يجرؤ الولد على مفاتحة السلطان بما جرى أثناء غيابه. إلا أن زوجة السلطان هي التي بادرت بالوشاية. وزعمت للسلطان أن الولد حاول أن ينال منها أثناء سفره قائلة:

لن يقر لي بال حتى ينال هذا الولد جزاءه بالقتل!

صدق السلطان مزاعمها. فكتب خطاباً يقول فيه: ” عندما يصلكم حامل هذا الخطاب فاقطعوا رأسه بالسيف!”. واستدعى السلطان للولد، وطلب منه أن يحمل الرسالة إلى الحرس. فوضعها الولد في حجرته على أن يعود ويأخذها إلى الحراس بعد صلاة الفجر. وكان الحراس يرابطون في ناحية من بستان القصر لا يدخلها إلا السلطان وزوجته للنزهة كل صباح.

أدى الولد صلاة الفجر مع السلطان، ثم خرج وإياه من المسجد. وفيما هو خارج لقيه أحد أصدقائه. ودعاه إلى تناول فنجان من القهوة، فلبى الدعوة ودخل معه.

وفي تلك الأثناء لم تستطع زوجة السلطان أن تقاوم فضولها لمعرفة ما تحويه الرسالة.

فتسللت إلى حجرة الولد أثناء وجوده في المسجد وسرقت الخطاب وانطلقت إلى حيث يقيم الحرس لتقرأها خلسة في بستان القصر. وما أن شاهدها الحرس بمفردها حتى ارتابوا في أمرها، وانتزعوا منها الرسالة وقرءوها وعملوا بفحواها.

وعندما وصل السلطان وجد زوجته قتيلة بما جنت يداها. وأدرك أن كيدها قد ارتد قد جلب له الخير والنجاح، فقد قنع بالقليل فازداد خيراً، وحفظ الأمانة عندما خانها غيره، ولبى الدعوة لتناول فنجان من القهوة، فنجا من الهلاك.

شاهد أيضاً

الصياد

الصياد كان هناك رجل كبير السن يعيش في إحدى المدن القريبة من البحر .. وكان …

اترك تعليقاً