السلطان العادل

السلطان العادل

كان يا ما كان في قديم الزمان رجل فقير ، وله ولد ، ولم يكن للأب عمل ثابت يعيش عليه ، بل كان يجرب حظه كل يوم ، وينتقل من عمل إلى عمل ، ومن مكان إلى آخر . فأحياناً كان يجمع الحطب ، وأحياناً يجمع بعض الأعشاب لعلف الأغنام وهكذا .
وأخيراً عجز الرجل عن العمل وأصبح غير قادر على الانتقال من مكان إلى آخر ، ولا يقوى على حمل الأخشاب كما كان يفعل من قبل لكسب عيشه . فضاق به الحال وأخذ يسأل نفسه : كيف لي أن أحصل على لقمة عيشي وأنا غير قادر على المشي والانتقال من مكان إلى آخر ؟ وعندئذ خطرت له فكرة ، فخرج من منزله وجلس تحت نخلة ، وأخذ يأكل الثمر المتساقط منها حتى شبع ، وكان الجو حاراً ، فنام ثم عاد إلى بيته في المساء ، فقبله ولده فسأله : ماذا أكلت اليوم يا والدي ، وأين تعمل لأساعدك …

قال له الرجل :

إنني أقوم بعمل لا تستطيع أنت تقوم به .

قال الولد لأبيه :

دعني أجرب يا والدي ، سأسير معك في الصباح إلى حيث تعمل …

خرج الأب وابنه في الصباح ، وسارا حتى وصلا إلى مكان به نخيل ، وقف الأب وقال لابنه مشيراً  إلى النخل : إن عملي يا ولدي أن أنام تحت النخل ، وأفتح فمي وآكل ما يسقط من التمر حتى أشبع ، هذا هو عملي .

قال الولد :

سأجرّب ، سأفعل مثلما تفعل يا والدي .

تمدد الابن تحت نخلة  وكذلك الأب تحت النخلة الثانية فسقطت البلحة الأولى في فم الابن فأكلها ، ثم سقطت أخرى بين لحيته وفمه فنادى على والده قائلاً :

أبي لقد سقطت البلحة بين فمي ولحيتي ، بالله عليك يا والدي قم وضعها في فمي لأنني غير قادر على الحركة .

ضحك الأب وقال :

كنت أظن أنني عاجز فوجدت من هو أعجز مني ….

مكث الأب وابنه تحت النخلة إلى المساء ثم عاد الاثنان إلى البيت . وفي الصباح قال الولد لأبيه :

لقد قررت يا والدي أن أخرج إلى بلاد الله الواسعة وأبحث عن عمل ، فلا تقلق يا أبي إذا لم أعد إلى البيت .

خرج الولد يسير من ” وادي إلى وادي حتى نصلي على النبي الهادي ” فوصل إلى بلدة قريبة من بلدته واتجه إلى مجلس السلطان ، لم يكن يعرف أحداً ؛ ولكنه تقدم إلى البرزة ( المحكمة كما يقول الراوي ) وسلم على الجالسين ، وردوا عليه السلام ، وجلس ساكتاً إلى أن أنفض المجلس ، وأخذت حاشية السلطان تغدر المكان واحداً بعد الآخر ، ولم يبق في المكان سواه مع السلطان . فنادى عليه السلطان قائلاً :

من أنت أيها الرجل ، وماذا تريد ؟

رد الرجل : أنا غريب أبحث عن عمل .

قال له السلطان :

ليس لدينا عمل تقوم به وعليك أن تبحث في مكان آخر .

تحير الرجل وضاقت به الدنيا لكنه التفت إلى السلطان وقال له :

أنا لي طلب عندك .

قال : تفضل ماذا تريد ؟

قال الرجل :

أريد أن آتي غداً إلى مجلسك ، وأجلس عن يسارك في المحكمة ، وأرجو أن تهمس في أذني طول الوقت ، وتسبني دون أن يسمعك أحد من الجالسين .

قال السلطان :

هذا أمر بسيط .

في صباح اليوم الثاني ، جاء الرجل إلى مجلس السلطان ،ونادى السلطان أن يجلس عن يساره ،وبدأ يتظاهر بالهمس في أذنه كأنه يحدثه ولكنه كان يسبه كما طلب منه ، وأخذ الشاب يردد .. صحيح يا طويل العمر .. أعمل تلق .. صحيح يا طويل أعمل تلق .. صحيح يا طويل العمر.. أعمل تلق .. واستمر على هذه الحال .. وأصحاب السلطان يسمعون ردود الرجل الغريب لكنهم لا يسمعون ما يقوله السلطان ، واستمر على هذه الحال ثلاثة أو أربعة أيام … ضجر الوزير وغضب وقال لجلساء السلطان … من قضاة وولاة ووزراء … إننا رجال السلطان وحاشيته ، ولكننا – منذ أن جاء هذا الرجل الغريب – لا نجد أي اهتمام من السلطان . إن السلطان طوال الوقت يهمس في أذنه ويوجه اهتمامه له ، وعلينا أن نجد حلاً للخلاص من هذا الرجل بسرعة .
وفي اليوم التالي جاء الرجل كعادته ، وبدأ بالهمس . وبعد أن انتهى المجلس قام الوزير وسلم على الرجل بحرارة ودعاه للغذاء …. وأخذه إلى بيته …
كان الوزير قد أوصى زوجته أن تكثر من الثوم في الأكل ، وبعد أن انتهوا من الأكل قال الوزير لضيفه عليك أن تضع لثاماً على فمك ، فالسلطان يكره رائحة الثوم وأخشى أن يطردك من مجلسه .
لم يشك الرجل في كلام الوزير وفعل ما قال له . جلس بجانب السلطان واضعاً اللثام على فمه ، وبدأ السلطان كعادته يهمس في أذنه . وبعد أن انتهى المجلس ذهب الوزير إلى السلطان وقال له :
هل سمعت ما قاله هذا الغريب .

قال السلطان : ماذا يقول ؟

قال الوزير : إنه يقول إن لفمك رائحة عفنة لا يطيقها ، ولذا قر أن يضع على فمه وأنفه لثاماً ليتحاشى ذلك .

قال السلطان : أهذا ما يقوله عني ‍‍‍‍‍‍‍‍؟

قال الوزير : نعم أيها السلطان

في اليوم الثاني عادوا للمجلس جميعاً وكتب السلطان إلى واليه في منطقة ثانية رسالة أوصاه بأن ينتقم له من حامل الرسالة . ثم نادى الولد وسلمه الرسالة وطلب منه أن يوصلها للوالي في تلك المنطقة . أخذ الولد الرسالة وخرج بها قبل أن يأتي الوزير .

خرج الولد من المجلس … وفي لطريق قابله الوزير إلى أين هو ذاهب .

قال الولد :

لقد أعطاني السلطان هذه الرسالة المختومة وطلب مني أن آخذها إلى الوالي الفلاني وأظن أنه قرر أن يجعلني والياً عليها .

قال له الوزير :
أعطني الرسالة وسأوصلها بنفسي إلى الوالي وأنت إرجع إلى مجلس السلطان

رفض الولد لكن الوزير عرض عليه ألفي دينار ، فأخذها وسلمه الرسالة وعاد إلى بيته ولم يذهب إلى مجلس السلطان حتى لا ينكشف أمره .

أخذ الوزير الرسالة وذهب بها إلى مجلس الوالي وعرضها عليه .. وعندما فتحها استغرب الأمر ؛ لكنه لم يستطع مخالفة أوامر السلطان ، فأمر رجاله أن ينفذوا ما ورد في الرسالة من أمر .. وقال الوزير هذا أمر السلطان لا أستطيع مخالفته .

في الصباح عاد الشاب إلى مجلس السلطان ، فلما رآه استغرب وتعجب منه أنه لا يزال حيّاً .. وقال لنفسه لقد أعطيته الرسالة وفيها أمر بقتله . وها هو الآن حي يرزق … أقبل الولد على السلطان وسلم عليه فرد السلطان عليه السلام وسأله أين ذهبت بالرسالة .
قال له :
لقد قابلني الوزير في الطريق وأصر على حملها بنفسه ، وخشيت غضبه ، فإنه من رجالك المقربين فسلمته الرسالة .

قال السلطان :
لدي سؤال آخر .. حين أتيت بالأمس متلثماً .. فما سبب ذلك ؟

قال الولد :
لقد دعاني الوزير للغذاء وأكثر من الثوم ، ونصحني أن أضع لثاماً على فمي لأنك لا تحب رائحة الثوم .

قال السلطان :
إن الوزير قال لي كلاماً مخالفاً لذلك ، إذا بلغني بأنك تقول إن لفمي رائحة خبيثة .. وقد أعطيتك رسالة تحمل أمراً يقتلك عقاباً لك على هذا القول .

وأردف السلطان قائلاً :
يا باحش يفرة سو ، يا طايح فيه .

ثم التفت إلى الرجل وقال : لقد نال الوزير عقابه أم أنت فسأزوجك ابنتي وأجعلك وزيري مكافأة لك على صدقك .

فرح الولد لكنه قال للسلطان :
إنني صاحب أسرة .. عندي زوجة وأولاد وأب طاعن في السن .

قال له السلطان :
لا تخف .. عليك أن تبقى هنا وسنرسل من يأتي بأهلك وأسرتك .

أمر السلطان رجاله بأن يعلنوا الأفراح في البلد ، وأن يطلبوا من الجميع أن لا يشعل أحد النار في منزله فكلهم مدعوون لولائم السلطان وقد دامت هذه الولائم سبعة أيام بلياليها ، وتزوج الولد من ابنة السلطان ، وأحضروا له أسرته وعاشوا جميعاً في سعادة .

شاهد أيضاً

الاصدقاء

الأصدقاء كان في قديم الزمان لأحد التجار الميسورين ابن وحيد مدلل . ولاحظ الأب أن …

اترك تعليقاً