الجُرح ( نبهان الحنشي )

تشر ذم:

        يشبهون الترذم الذي ينقط خارطة داخلي..يشبهون زندقة اللحظات النزقة:

-هيه..أضحى التسكع شخصاً في أمانينا…جميل إني شاعر.

نظرت لصديقي وشفتاه تحيطان بأنبوب لمشروب ما..له عامان يبحث عن عشيقة سادية السجايا..اسمها الوظيفة..شيء حطّ على عينه اليمنى ..مسحها بظاهر يسراه..وددت لو أمسك بوجهه وأنفخ في عينه..

        الآخرون حولنا كالتشرذم داخلي..أحيط على أنبوب الصمت بشفاه الدهشة.. واغترفت لي كوزا من الصمت وأكملت وجبتي.

أغنية:

        جميعنا كأخر ون يشبهون أخرون،شدّ صديقي حواف الفوطة على خصره..يصرخ بأعلى صوته فاردا ساعديه بحركات مسرحية..كان يغني وكنت أحزم حقائب دهشتي ..لحظتها ذكرت أنّي قد رأيت غصنٌ أخضر في شجرة سمر يابسة صفراء ذات ظهيرة صيف..

        ((لو أنني قد أشتغل..ترارا))..كان يستدير حول نفسه ..يتراقص بقدميه فاردا رافعا يداه اليسرى بتقوس ويمناه كأنها تحيط بجسد الألم..فجأة توقف..أسند ظهره على الجدار ..أكمل بصون خافت وكأنه يرتل((لبنيت عشقا في سبيلك ينتمي..))تلامعت عيناه ثم قال بصوت بعيد(يسر لنا عسرانا..أنت مولانا)..كل هذا وأنا بين دفتا كفي كتاب..نهظت وضعت على كتفي الفوطة..وذهبت.

وردة حمراء:

        انتظرتك..كان الورد يتقافز لهفا لأناملك..وفي جيبي بطاقة جبرين تذكرة لصوتك لسفر في ظلام الألم..إلى بحيرة هدأتي..تعب الورد وانتصر الظلام والألم..متأخرا على غير العادة وصل صديقي.ابتسم وقال بنبرة خبير(هذه البداية..لم ترَ شيئا بعد).

لم انتظرك كان  قلبي ينتظرك..أحاط صديقي بساعد يسراه على كتفيّ ومضينا.قلت له بصوت متهدج(هذا جَرح مؤلم..)) صدرت منه ضحكة خفيفة قبل أن يقول( بل هو جرح بضم الجيم..هكذا أجمل).

رحيل:

        بتكرار خيبتنا ندرك أمام الحزن أنا صامدون..خاسرون فوق سحاب سائرون. أدهشني هذا الصديق وهو يلتف حول  ألامه صانعا من شتاته دفئا..وكلما أعاقت عثرات البؤس خطواته بدأ بخطوة غيرها.ودعني لمشوار خاص كما ادعى..كنت أعلم أنه في فترة المساء يحب المشي لمسافات طويلة.بنبرة حزينة منكسرة الأحرف ودعني،لم أكن حينها أعلم انه يودعني للمرة الأخيرة.

        صغارا كنا حينما كانت الفراشات تطير من كلماتنا..كبارا أصبحنا حينما نمت الخيبات في أراض أحلامنا.ووزاراتنا كالنساء العاهرات ما إن تتفق معك على موعد حتى تلغيه لقدوم موعد أخر..إذا كنا لا نستطيع تأمين لقمة عيش لمن هم تحت أمرتنا فلما نشدد من قبضتنا عليهم.

        أقبل المساء الأخر رمادي على غير عادته..كنت أمشي حينما سمعت لغط ورأيت تجمع في الشارع الأخر..أكملت طريقي شيء غريب جعلني أقفل راجعا إلى مكان المعمعة…وكان!!!

“”وجدناه مسجى والدماء تغطيه..لا أدري..ربما أنه لم يحاول تفادي وقوع الحادث..فقد كان وسطه هشا..مما يدل على أن السيارة التي دهسته لم تتوقف بل مرت على جسده..””

استمر ضابط شرطة شاب في رسم الخطوط بكف مرتعش..أحد الحاضرين لحظة وقوع الحادث قال أنه –أي صديقي-لم يكن بوعيه،فقد حدث أن اصطدم به قبل ولوجه الشارع.

***

كان كلما تخاصم معي مد ببنصره وشبكه ببنصري دالا على ذلك بالقطيعة أذنا لمساءات السذاجة بالهبوط.حجر اصطدم بقدمي جعلني اصطدم بقدم الذي أمامي كاد الأخر أن يقع لولا انتباه من بجانبه الذي سارع بمسك خشبة النعش..نظر إليّ بغضب في بادئ الأمر ثم هزّ رأسه ومضى.

آهٍ أيها العزيز..من كثرة الظلام كنا ان اعتقدنا ان النور مستحيل..من كثرة البؤس اعتقدنا بأن السعادة عالم خرافي لا نشاهده إلا في الأفلام الأمريكية والمسلسلات المكسيكية..وهذا نحن على مرمى حجر من الضياع..أنت في غيابك وأنا في شتاتي.ها أنت الآن مجرد جسد يحتاطه البياض كأي رحيل نودعك..ببطء  يضعونك على جنبك.يهيلون عليك التراب..أهلت عليك  مرتين..عبرت سبقتني قبل الثالثة..نهضت قبل دعائهم وذهبت.

***

لحسن حظه رحل..وترك لي دوامة المواعيد المؤجلة..والبؤس المستمر..آخر بجانبي يكاد أن يجهش في البكاء..تكلم بصوت مخنوق:”أبدا ما كنت أتوقع في يوم ما أن أكون عاطلا عن العمل”

أوخزت سقطة هذه العبارة من هدأتي..فغرت فاهي وكدت أن أقول له شيئا ما..فوجدتني أنكس رأسي وأقول عبارة بطريقة تشبه الترتيل..”بل هو جرح..بضم الجيم هكذا أجمل”

نبهان سالم الحنشي
alhanashi@yahoo.com

شاهد أيضاً

نصوص ( نبهان الحنشي )

حظ يا الله سبحانه..تعجب كيف يغرس البسمة في وجه الحظ العابس تعجب كيف يذكر الله …