أبو البنات السبع وأبو الصبيان السبعة

أبو البنات السبع وأبو الصبيان السبعة

 

 كان الأخ الذي رزق بسبعة أولاد كثيراً ما يعيّر أخاه الذي رزق بسبع بنات، ويتفاخر عليه زاعماً أن الذكور أعلى مقاماً وأكثر بركة من الأناث. وذات يوم عاد أبو البنات السبع الى بيته مهموماً كسير الخاطر . ولاحظت ذلك إبنته الصغرى فسألته عمّا به وألحت في السؤال ، فتنهد الأب وراح يشكو همه :
إن عمك يابنيتيّ لا يفّوت فرصة لتحقيري والتباهي عليّ أمام الناس زاعماً أن الله تعالى أكرمه هو فأنعم عليه بسبعة أولاد بينما ابتلاني بسبع بنات. وقد تمادى اليوم في إيذائي على مشهد من الناس في السوق وفي المسجد، ودفع أهل البلدة إلى السخرية مني. فلم أطق ذلك منه، ولم أرغب في مبادلته الأذى فعدت إلىالبيت.
قامت إليه الإبنة الصغرى، وقبلت رأسه وطيّبت خاطره قائلة:
هوّن عليك يا أبت ! وسوف نثبت لعمنا ولأهل البلدة كافة أن البنت صنو الولد، وأن بعض البنات أرجح عقلاً وأرفع قدراً من بعض البنين. وإنني أتحدى أبناء عمي السبعة أن يجاروني في ركوب البحر واقتحام المخاطر. فلنبدأ من الغد صنع مركبين: واحداً يستقلونه هم، وواحداً أبحر به بمفردي. وسنرى من سيكون الفائز الغانم.

بنى الأولاد السبعة سفينة استقلوها واصطحبوا معهم البحارة والخدم، وصنعت البنت زورقاً أبحرت به وحدها. ووصل الجميع بعد رحلة طويلة مضنيه إلى سواحل منطقة يحكمها سلطان شاب جائر عرف بالبطش والإغتصاب ولا ينتسب إلى أبيه بل إلى أمه. ويدعى علي بن بدرا.

عندما رست السفينتان على الشاطىء نزل الإخوة السبعة ونزلت البنت إلى البر بعد أن تنكرت وتزيت بزي الرجال. فدعاهم السلطان علي بن بدرا ليحلوا جميعاً ضيوفاً عليه لمدة سبعة أيام.

وقبل أن يأوي البحارة الثمانية إلى مضاجعهم في تلك الليلة تحدث علي بن بدرا مع والدته بشأن الضيوف، وأعرب لها عن شكوكه في أن بينهم أنثى متنكرة بلباس رجل قائلاً أنه لاحظ ذلك من اختلاف مشيتها وشدة وسامتها. فأشارت عليه والدته بحيلة للتأكد من الأمر، وطلبت منه أن يضع إبريق ماء وصرة طعام عند وسادة كل واحد من الضيوف . والذي لا يتغير مذاق طعامه أو شكله أثناء الليل يكون هو البنت. ففعل ذلك غير أن البنت أفشلت خطته بأن قامت أثناء الليل وأبدلت بريقها وصرتها دون أن تمس ما فيها، بما كان لدى واحد من أبناء عمها. فاحتار ابن بدرا وذهب يشكو همه إلى أمه.

نصحت بدرا إبنها على أن يجرب حيلة جديدة بأن يقدم لضيوفه طعاماً حاراً لا تستطيع النساء أن يتحملن لذعته. ففعل إلا أنه فوجىء بأن أحد ضيوفه يتناول طعامه في غاية اليسر والاستمتاع، بينما توقف الآخرون عن الطعام وسحبوا أيديهم من الزاد بعد اللقمة الأولى .

ظل علي بد بدرا يحاول الحيلة تلو الأخرى ، بمشورة من أمه ، لكشف شخصية الفتاة ، ولكن دونما جدوى . وكانت آخر ألاعيبه أن دعا جميع الضيوف إلى السباحة في حوض القصر لعله يستطيع التعرف عليهم من عري أجسادهم . غير أن البنت كانت قد أعدت العدة لإحباط خطته . فما أن دخلوا الحوض حتى سحبت بأطرافها عدداً من الحبال الرفيعة التي كانت قد ربطت بأطرافها مجموعة من الخيول . ففزعت الخيل وأخذت تتقافز حول الحوض ، تحولت إليها الأنظار ولم يستطع علي بن بدرا أن يدقق النظر في الفتاة .

إغتنمت الفتاة فرصة الانشغال بالخيل الهائجة وخرجت من الحوض إلى المكان الذي كانوا يستعملونه للنوم ، وكتبت على وسادتها ” طلعت عذراء ،  ودخلت عذراء ، . على رغمك ورغم أمك يا علي بن بدرا ! ”  .

صعق علي بن بدرا عندما اكتشف الأمر ، وأقسم أن يلحق بالبنت ويثأر لنفسه منها بأن يتزوجها ويذبحها في ليلة زفافها . أما هي فعرّجت في طريقها على السوق ، ودخلت عدداً من الحوانيت التي تخص السلطان ونقلت منها إلى مركبها ما خف حمله وغلا ثمنه من العطور والحليّ والثياب . ثم صعدت السفينة ، ورفعت أشرعتها وأقلعت عائدةً إلى بلادها . وتبعها أولاد عمها السبعة في سفينتهم دون أن يحققوا أي مغنم .

جنّ جنون علي بن بدرا عندما علم بهرب الفتاة ، ولكنه قرر إصطناع الحيلة للنيل منها . وكانت البنت قد وصلت إلى بلدتها فاستقبلها والدها وجمع غفير من الناس بالتهليل والترحاب ، بينما كان إستقبال أبناء عمها السبعة فاتراً وعاديّاً . وبعد بضعة أيام وصل علي بن بدرا وتوجه فور نزوله من سفينته في موكب عظيم إلى منزل والد البنات السبع ، وطلب يد ابنته الصغرى ، فوافق الأب بعد أن استشار الفتاة في الأمر ، فرحبت بالزواج وهي تعلم أن علي بن بدرا إنما يريد الانتقام منها لا الاقتران بها .

هيأت البنت الحجرة التي ستنزف فيها إلى عريسها ، ووضعت قربة من العسل على مخدعها ونشرت فوقها الملاءات بحيث تبدو وكأنها هي النائمة في السرير . ودخل علي بن بدرا خدر العروس بعد إنتهاء مراسم الزفاف . وتوهم أن عروسه بانتظاره في السرير ، فاستل خنجره في القربة فتدفق منها العسل . فغمس فيه أصابعه وتذوقه متلذذاً وهو يقول :

إذا كان دمك شهيّا إلى هذا الحد ، فكيف يكون لحمك ؟

وفيما كان علي بن بدرا يتلمظ على طعم العسل ، خرجت إليه الفتاة من مخبأها تحت السرير في أبهى حلّة وأجمل زينة ، وهي تقول :
حنانيك يا علي بن بدرا . فإنما فعلت ما فعلت لا كراهيةً لك ولا نكاية بك ، وإنما لأظهر لعمي وأبناء عمومتي أن البنت ليست دون الولد قدراً وذكاء ومقدرة .
نظر علي بن بدرا إلى الفتاة حائراً متسائلاً عما تعنيه ، فقصت عليه حكايه عمها مع أبيها وتفاخره عليه بأبنائه السبعة ، وما كان من سفرها معهم في مغامرتهم البحرية .
وما أن سمع علي بن بدرا القصة حتى أنقلب حقده على الفتاة إعجاباً بها وحباً لها ، فاتخذها زوجة له ، وأكرم أباها وأخواتها ، وعاش الجميع في طمأنينة وهناء وسلام .

 

شاهد أيضاً

طالب نصيحة

طالب نصيحة  عاش حطاب عجوز مع زوجته ، يجمعان الحطب ويبيعانه . وشاء الله أن …

اترك تعليقاً